الحرية والفوضى

- الحرية كلمة جميلة الوقع على السمع، فهى هبة الله الذى خلقنا على صورته ومثاله.. يتمسك بها الطفل حتى وإن لم يفهم معناها، ويعتبرها الشاب حياته بأكملها، ويموت من أجلها الألوف والملايين فى أنحاء العالم، ويعتبرون حياتهم رخيصة من أجلها...

الحرية هى التعبير الواقعى عن الشخصية بكاملها، فليستالحرية فقط أى تصرف بمعزل عن أى ضغط خارجى مباشر، يملي علي سلوكي، فهذا ليس إلا الوجه الخارجي للحريه ولكن الحريةبمعناها العميق، هى أن أتصرف بحيث يأتى سلوكي تعبيراً عن كياني كله، وليس عن جزء من شخصيتى يتحكم فيّ، دون بقية الأجزاء فمثلاً: قد تتحكم في إحدى الشهوات وأتصرف بموجبها، دون النظر إلى ما يقاومها ويعوقها، من أجواء أخرى فى كياني.. حينئذ فلست حراً بل أنا عبد الشهوة. وقد يتحكم فىّ انفعال، أتصرف تحت سيطرته بما أندم عليه فيما بعد.. فأنا عبد لهذا الانفعال.

كل فرد منا يعلم أننا خرجنا من بطون أمهاتنا أحرارا.. والقيود الدينية أو الاجتماعية والأخلاقية ليست سلاسل تقيد حرياتنا.. فالحرية مسؤولية كبيرة تتلخص في أن تفعل ما تحب وترضى بشرط أن تراعي بما تفعل حقوق خالقك ودينك وعرفك والناس من حولك.. وألا تتعدى بهذه الحرية على حرية الآخرين ورغباتهم.. الحرية معناها التزام واحترام لحرية الغير. الحرية هى فى حد ذاتها قيد على الشخص لأنى عندما أكون حرا يكون فكرى منطلقا ومتفهما وبالتالى أستوعب أن حريتى تنتهى عند حرية الآخر يعنى لا ينفع أكون حرا وأزعج غيرى وأقول أنا حر. والإزعاج له أشكال كثيرة وعميقة يعنى من تلبس ملابس عارية باسم الحرية طغت على حرية غيرها فهناك من يستعف أن يرى هذا العرى وهى تؤذيه، وهناك من يشرب المنكر أمام الآخرين وهذة فتنة للشباب وليست حرية هناك من يستمع للكاسيت أو المذياع بصوتٍ عالٍ ويؤذى جيرانه باسم الحرية. عموما فإن حرية الفرد تنتهى عند حرية الأخرين.. بمعنى أن يتوقف الشخص عن ممارسة حريته إذا كانت تتعارض مع حرية الأخرين.. فمثلا شخص مع غيره فى غرفة واحده ويريد أن يسهر ليقرأ والآخر يريد أن ينام هنا تتعارض الحريات، فليس هناك حرية مطلقة فى جميع الأحوال.

معنى الحرية:

ونعني بالحرية في العادة تلك الخاصة التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى غريبة عنه. فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي، و الإنسان الحر هو من لم يكن عبداً أو أسيراً. ومفهوم الحرية يتوقف كثيراً على الحد المقابل الذي تثيره في أذهاننا هذه الكلمة، إذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية، كلمات عديدة مثل كلمة "الضرورة" أو "الحتمية" أو كلمة "القضاء و القدر" أو كلمة "الطبيعة".

بعض الباحثين، من أمثال جون لوك‏، يرى أن الحرية هي القدرة والطاقة اللتان يوظفهما الانسان لأجل القيام بعمل معين أو تركه‏. وبعض آخر، من أمثال جون‏ ستيوارت ميل‏ يقول: إن الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها، بحسب منظوره، شريطة أن لا تكون، مفضية إلى إضرار الآخرين‏.

ومن الممكن أن نميز بصفة عامة بين نوعين من الحرية : حرية التنفيذ و حرية التصميم. والمقصود بحرية التنفيذ: تلك المقدرة على العمل أو الامتناع عن العمل دون الخضوع لأي ضغط خارجي، والحرية بهذا المعنى عبارة عن القدرة على التنفيذ مع انعدام كل قسر خارجي. أما حرية التصميم: فهي عبارة عن القدرة على الاختيار أعني القدرة على تحقيق الفعل دون الخضوع لتأثير قوى باطنة، تحد من حرية التصميم كالدوافع و الأهواء ... الخ.

حرية المرأة:

ترتبط قضية حرية المرأة بمسائل الإصلاح وتطور المجتمع, مثلما ترتبط بمبدأ سيادة القانون في المجتمع والدولة, ومدى احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان. ويشكل التشبث بواقع التمييز ضد المرأة والممانعة في حريتها أساسا تربويا للاستبداد؛ حيث تتجلى التربية الاستبدادية في الأسرة، عندما ينظر الرجل إلى المرأة باعتبارها قطعة من مقتنياته يمارس عليها الأمر، وواجبها الطاعة. الزوج لزوجته والأخ لأخته. ويشكل هذا القبول للتمييز داخل الأسرة وعدم المساواة في الحقوق، تربية لقبول التمييز في المجتمع والقبول بالحرمان من الحرية والحقوق. لذلك يلاحظ أنّ البلدان التي تحكمها أنظمة استبدادية هي أكثر البلدان ممانعة لحرية المرأة ومساواتها في الحقوق. ويعتبر اشتراك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية أحد المؤشرات على درجة التطور لأي بلد من بلدان العالم؛ حيث تدل الوقائع الثابتة على أنه كلما كانت المرأة متمتعة بالحقوق والحريات العامة في بلد ما كلّما كان تطور هذا البلد أكثر، وإمكانيات تطوره أوسع وأرقى. ذلك لأن المجتمع الذي يحرم نصفه من الحقوق أو بعضها، لا يمكن أن يكون مجتمعا سليما معافى.

 وقد استطاعت المرأة العربية أن تتخلّص من الكثير من القيود التي كانت تقف عائقاً أمام مشاركتها في بناء نفسها وبناء مجتمعها. والمرأة أخذت كثيرا من حريتها الاجتماعية فهي تمارس مختلف الأعمال الكبيرة والصغيرة و هى الان فى كل المجالات حتى وصلت لمهن كان لا يتصور قيام المرأة بها كالمأذونة والعمدة، ومجالات العمل اليوم مفتوحة للرجل والمرأة والمنافسة موجودة بشرط أن تكون شريفة. إلا أنّ تحرّر المرأة مازال يرتبط بشكل رئيسي بتحرر الرجل نفسه لأنّ الرجل العربي مقيّد بالتقاليد والعادات و السلوكيات الموروثة التي تمنع المرأة أن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع. إنّ الرجل الشرقي يخاف المرأة الذكيّة الواثقة من نفسها , لذا نراه في أحيان كثيرة يحاول كسر أجنحتها لمنعها من التحليق عالياً, ولذا نرى أيضاً أنّ المرأة العاملة هي أقل حظوظاً عند الرجل من المرأة القابعة في المنزل. في الحياة اليوميّة وفي كافّة الشرائح الاجتماعيّة نرى أنّ المرأة تكافح بقوّة داخل البيت وخارجه. فالمرأة العاملة تضاعف جهدها وتعبها لذا نقول تحرّر المرأة ما زال ظاهريّاً. وكلّما كان الرجل متفهّماً لما تقدّمه المرأة ومساعداً وعوناً لها كلّما استطاعت أن تستمرّ وتتقدّم أكثر. بالتالي ينعكس ذلك على الأسرة بكاملها إيجابيّاً. وكثيراً ما يلفت نظرنا أنّ المرأة التي تعمل خارج المنزل حياتها منظّمة أكثر. اهتمامها بما هو مفيد وحضاري أكبر وأولادها أكثر نجاحاً من أولاد المرأة غير العاملة. فالأولاد كما يحتاجون الحبّ والحنان يحتاجون أيضاً من الأمّ ثقتها بنفسها وقدرتها على أن توجّههم بشكل صحيح. المرأة في مجتمعنا مكافحة وصبورة, مضحّية وذكيّة وتستطيع أن تخطط لمستقبل أسرتها بكل مسؤليّة ودقّة.

 وفى البداية لابد أن نحدد حرية المرأة ما هى وما حدودها وما هى حرية الرجل وهل لها حدود .. ولابد أن نعرف أن المرأة فى جميع مراحل عمرها ومع اختلاف ظروفها يكون لها حرية مختلفة: البنت، والزوجة، والمطلقة، والأرملة، إلى أخره لكل حالة منها ظروفها وحريتها المناسبة والخاصة. فهى وهى بنت تكون حريتها مقيدة بنظرة الأب والأخ من منطلق الخوف والحرص عليها.. وتنمثل حريتها فى الخروج بحساب، والكلام بأدب، والتعود على أن تسمع الكلام. المرأة المتزوجة ومهما كانت تعمل هى نفسها تردد بيتى أولا: فحرية المرأة هنا لا تتعارض مع حرية الرجل بشرط الالتزام بواجباتها ومعرفة معنى كلمةالحرية وعدم استخدمها بطريقة سيئة. والرجل الذى يعطى زوجته حرية العمل وربما يكون معها فى نفس المهنة ويفهم طبيعة عملها لا يقبل أن تقصر فى واجباتها المنزلية ومسؤليتها نحوه وأولادها، وبقاء المرأة في المنزل ضروري لتربية الأطفال. بمعنى أن حريتها لا تتعارض مع حرية الرجل بل مع حياتها الأسرية فهنا عليها أن توازن. المهم ألا تسيء حريتها حتى لا تتعدى على حرية المحيطين بها والمضار مباشرة بحريتها الأب للفتاة والزوج للزوجة وبالنسبة للمطلقة والأرملة نجد أن المجتمع هو الذى يحدد مدى حريتها. وبذلك حرية المرأة دائما مشروطة بظروفها، وبالعادات والتقاليد ونظرة المحيطين. وحتى حرية الرجل وقد تبدو مطلقة إلا أنها أيضا مشروطة لأنه غير مسموح له بالاساءة للمحيطين به بحجة انه يمارس حريته. فالمهم بالنسبة للرجل والمرأة عدم الاساءة .. ولكن المجتمع يغفر للرجل ولا يتساهل مع خطأ المرأة.

عموماً تكتسب المرأة أهميّة كبيرة من خلال وظيفة الأمومة حيث يرتبط معنى وجودها بهذه الوظيفة. فكيف تحقّق المرأة النقلة النوعيّة بين أن تكون أمّاً حيث تتمركز مهمتها الأساسيّة وبين أن تكون عنصراً أكثر فاعليّة في بناء المجتمع؟

حريّة المرأة ترتكز على حريّتها الاقتصاديّة واستقلالها العلمي. وهناك حكمة تقول من لا يملك قوت يومة لا يملك حريتة. وكي تحقق المرأة حريتها يجب أن يكون لها رأيها الخاصّ كما عليها الاختلاط بالمجتمع لأنّ التقوقع يجلب ضعف الشخصيّة.‏

ومن الخطأ أن تفهم المرأة الحريّة من خلال الحريّة الاقتصاديّة فقط؛ فالتحرر الاقتصادي يجب أن يكون بداية للانطلاقة نحو الحريّة الحقيقية. إنّ جهل المرأة يكمن بالجهل الثقافي؛ فحريّة المرأة لا تأتي من خلال العمل خارج المنزل فقط وإنّما من خلال الاطّلاع الثقافي وتوسيع أفقها في كلّ المجالات (مسرح - سينما - قراءة....).‏

بقلم: عمار الجدوع 

تم عمل هذا الموقع بواسطة