- كان مصطلح جغرافيا يقتصر على تحديد موضع المكان بالنسبة لخطوط الطول (الزوال) Meridians، ودوائر العرض (المتوازيات) Parallels المختلفة، وشكل الأرض، ووضعها إزاء الأجرام السماوية الأخرى، ثم ظهرت الجغرافيا الوصفية أو الإقليمية جنباً إلى جنب مع الجغرافيا الفلكية. واعتمد الفكر الجغرافي، منذ أقدم العصور، على دعامتين أساسيتين. تتعلق الأولى بالفلك والأجرام السماوية، التي استدل بها الإنسان في أسفاره، وتعتمد الدعامة الثانية على العلاقات المكانية، التي سهلت للإنسان الحركة والانتقال، والدعامتان معاً كانتا الأساس، الذي يسر الكشوف الجغرافية. وظلت هاتان الدعامتان أساس الفكر الجغرافي إلى بداية القرن التاسع عشر. ومنذ هذا التاريخ بدأت الجغرافيا الحديثة على يد العالم الألماني الكسندر همبولت Alexander Humboldt.
وتهدف الجغرافيا أساساً إلى فهم العالم، الذي نعيش فيه وإدراك حقائقه، ورغم أن كثيراً من فروع المعرفة تشارك علم الجغرافيا في الوصول إلى هذه الغاية، إلاّ أن الجغرافيا تتميز عن معظم هذه الفروع، في أنها تتناول بالتحليل، والربط، والاستنتاج، مساحات محددة من سطح الأرض، قد تجمعها دولة واحدة أو عدة دول. وللوصول إلى هذا الهدف، تستمد الجغرافيا معلومات وفيرة من العلوم البيولوجية، والاجتماعية، والإنسانية، التي تفيد الدراسة، فمثلاً؛ تعتمد الجغرافيا المناخية في حقائقها العلمية على علم المناخ، وعلم الظواهر الجوية. وتعتمد الجيومورفولوجيا على علم الجيولوجيا، والجغرافيا السياسية على العلوم السياسية، وعلم التاريخ الحديث، والقانون الدولي، والجغرافيا الاقتصادية على علم الاقتصاد. ولا شك أن الجغرافيا تمثل بذلك معبراً بين هذه العلوم المختلفة، ومن ثم تتحدد فلسفة الجغرافيا، في أنها تهدف إلى شرح الأنماط المكانية، وتستكشف العلاقات فيما بينها، وأوجه التباين والتشابه بين الأقاليم المختلفة في البيئات بعناصرها الطبيعية، مثل أشكال سطح الأرض، والمناخ، والتربة، والحياتين النباتية والحيوانية، وموارد الثروة أساساً وقاعدة لفهم العناصر الحضارية Cultural of Man - Made المترتبة عليه والمترابطة معه داخل البيئة، والجغرافيا بذلك تؤكد مبدأ الارتباط Correlation، الذي يثمر في فهم العلاقات التأثيرية والتأثرية Cause - Effect Relationships بين الإنسان وبيئته.
وتتميز الجغرافيا الحديثة بالازدواجية، فهي تشتمل على قسمين كبيرين هما: الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية، ولكل منهما فروعه الخاصة به، ورغم تعدد الفروع الجغرافية إلاّ أنها تتسم بالترابط، وذلك بفضل المحور، الذي تدور حوله، وهو بيئة الإنسان وأنشطته.