✺ الجغرافية عند العرب:
كانت العلوم قبل الإسلام منحصرة في حقول معينة أهمها ، اللغة و الشعر . ولم يكن لدى عامة الناس في الجاهلية معرفة كافية بجغرافية المحيط الذي يعيشون فيه غير أن طبيعة حياتهم كانت تفرض عليهم شيئا من تلك المعرفة الجغرافية. إذ أن تنقل القبائل في أرجاء الجزيرة العربية كان يفرض عليهم معرفة خصوصيات المجالات الجغرافية التي يتنقلون فيها و المسالك التي يسلكونها. و كانت القبائل في تنقلاتهم يستعملون « الأدلاء » لما لهم من ثقافة جغرافية تشمل حيوانات الصحراء و نباتها و مواقع الماء فيها و طبوغرافية الأرض إلى جانب معرفتهم بالأمور الفلكية . و كانت هذه المعرفة الجغرافية متوفرة في الشعر إذ نجد أبياتا من الشعر تصف المكان و النبات و عادات السكان و تقاليدهم. و أدى ظهور الإسلام بمكة في الجزيرة العربية سنة 610 م إلى تطور العلوم الجغرافية بفعل عدة عوامل أهمها التواصل مع الفكر اليوناني و الهندي و الفارسي عن طريق الترجمة ، و كانت مكة بمثابة القطب الديني و التجاري الذي تزداد قيمته و يزداد دوره نظرا لاشتمالها على الكعبة التي يعظمها الكثير من العرب و يحجون إليها ، و يتولى أهلها من القرشيين القيام بدور اقتصادي أساسي في إطار تجارة العبور بين الشرق و الغرب مما بوأهم مكانة هامة بين العرب واستوجب الأمر معرفة جغرافية واسعة بالأقاليم التي يتنقلون بينها. كما أن اتساع رقعة الدولة الإسلامية خارج الجزيرة العربية بعد القضاء على الردة في خلافة أبي بكر إذ تمكن المسلمون من السيطرة على بلاد الشام و العراق في مرحلة أولى ثم فارس و مصر مما أدى إلى تكوين إمبراطورية شاسعة قام بتنظيمها الخليفة عمر بن الخطاب . و شمل توسع رقعة الدولة الإسلامية مختلف أرجاء العالم و أصبح المسلم يحتاج إلى معرفة الخصوصيات الجغرافية لهذه الأمصار ليتيسر حكمها و فتحها و إدارتها إدارة سليمة. و تطلب أيضا نمو الأنشطة التجارية معرفة جغرافية بالطرق و المسالك المؤدية إلى الأسواق التجارية. و كان التجار يتولون عملية جمع المعلومات البشرية و الإقتصادية و الطبوغرافية و المناخية عن البلدان التي سيقصدونها. و تعتبر العبادات و الفرائض الدينية عاملا رئيسيا لتطور العلوم الجغرافية فالصلاة و الصوم يتطلبان معرفة جغرافية لضبط أوقاتهما في أنحاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف. و بتوفر مختلف هذه العوامل برزت مجموعة من المؤلفات الجغرافية الإسلامية لعل أبرزها « معجم البلدان » لكاتبه « ياقوت الحموي» و كتاب « الأقاليم»... و كتب « أبو زيد سعيد الأنصاري» كتاب في المطر ضمنه وصف للسحاب و الرعد و البرق و الندى... إضافة إلى كتاب « الجبال و الأمكنة و المياه » لأبي القاسم الزمخشري . و تعتبر هذه المراجع بداية الجغرافيا الوصفية الإسلامية تتضمن المعلومات و البيانات التي يحتاجها المسلم في حله و ترحاله و في تنقلاته في السهول و الجبال و وسط البحار. و لكن يبقى القرآن الكريم مرجعا أساسيا للجغرافيين المسلمين ، فهو كلام الله الذي لم يفرط فيه من شيء ، كتاب صالح لكل زمان و مكان ، يحتوي على حقائق جغرافية لا تستوجب الشك : إذ يعطينا معلومات عن المجرات و مواقع النجوم و خصوصيات المجموعة الشمسية و حركة الكون بمشيئة الله و نشأته و نظرية الخلق و كيفية تصريف الرياح و السحاب إذ يقول جل جلاله في سورة البقرة « و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون » ( سورة البقرة الآية 146 ) . كما يحدثنا القران في بعض آياته المحكمات عن الغلاف الجوي و طبقاته ، و تلخص الآية التالية ذلك في قوله تعالى « الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير و أن الله قد أحاط بكل شيء علما» ( الطلاق الآية 12 ) . و منذ منتصف القرن الثالث هجري عرفت العلوم الجغرافية نقلة هامة و مرحلة جديدة على اثر الاتصال الذي وقع بين المفكرين المسلمين من ناحية و المفكرين اليونان و الرومان من ناحية أخرى . و لقد تأثر الجغرافيون العرب بأفكار بطليموس في علم الفلك و الجغرافيا، و بدأت تظهر منذ ذلك الزمن العديد من المؤلفات الجغرافية لعل أبرزها على الإطلاق كتاب « صورة الأرض» للخوارزمي و كتاب « رسم المعمور من الأرض» للكندي. و مع توسع مجال الدولة الإسلامية في الشرق و الغرب خاصة مع بداية القرن الرابع هجري ظهرت كتب جغرافية اعتبرها بعض الباحثين في مجال الجغرافيا الأكثر نضجا على الإطلاق و كان أبرز مؤلفيها ابن حوقل و المقدسي و أصبحت الخريطة جزءا لا يتجزأ من هذه المؤلفات و مصدرا أساسيا من مصادر المعلومات الجغرافية .